السحر وخطورته على الفرد والأسرة والمجتمع :
يقدم الإسلام النموذج الحي للإنسان الكامل ، ممثلا في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم يقدمه الإسلام ليقتدى به فعلا ، وقولا ، وخلقا 0 وقد وضع الإسلام قضية السحر في حجمها الطبيعي ، وتناولها بما تستحقه من الإيضاح والتبصير 00 تناولها تعريفا وتأثيرا وتشخيصا ووقاية ، تعرض لها من جانب العرض وجانب الطلب ، فحارب السحرة ، وجعل حد الساحر القتل ، كما هو الراجح من أقوال أهل العلم 0
والله قد خلق البشر وفطرهم على التعايش والاجتماع ، وفي المجتمعات تتواصل العقول والمصالح والرغبات ، وتوجد النفوس الخيرة والنفوس الشريرة ، كسنة من سنن الله تعالى ، ومن ذلك يتولد صراع دائم بين الطرفين ، بين الحق والباطل ، ومن بين تلك الشرور " السحر " وهي كلمة مكونة من ثلاثة حروف تمثل عالما غريبا ، مليئا بالخوف والرهبة في اكتشاف الغيب ، والشعور بالقوة والاستبداد والتسلط ، وفي كل الأحقاف والدهور وبين أوساط المجتمعات نقرأ عن السحر الذي عاش بين الجميع 0
وقد منع المسلمون من ارتياد أماكن السحرة ، فالإسلام يعلن الحرب على السحر والسحرة ، ويوصد كل الأبواب المؤدية إليهم ، ويوفر سبلا لتشخيص المسحور وعلاجه ، ويوفر أيضا سبلا لوقاية المسلم من خطر السحر ، ويحدد الأخطار العظيمة الناتجة عن الذهاب للسحرة والكهنة ، وأن فعله مخالف للفطرة السوية ، فالحق جل وعلا كرم الإنسان بعقله ، وأودع بين يديه القواعد والأصول للتعامل مع خالقه ومع من حوله ، فيعدل ولا يظلم ، ويتحلى بالأخلاق النبيلة السامية ، والسحرة أناس ضالون مستهامون بحب الشر والإفساد ، تقودهم أهواؤهم وشهواتهم ، دون رادع ولا وازع ، ويستعينون على تحقيق أغراضهم الفاسدة بالشياطين ، فيتقربون إليها بكل ما هو بغيض لله عز وجل ، ولذلك ترى وجوههم قاطبة عابسة ، يعلوها البؤس والشقاء ، والذلة والمهانة ، بيوتهم ممتهنة ، وقلوبهم خاوية ، حرموا لذة الإيمان ، وعاشوا في كدر وعناء ، ولا بد للمسلم أن يحذر منهم ومن أفعالهم ، خاصة أن فيها خروجا عن الملة والإسلام ، وهذا موجب لغضب الله تعالى وعقوبته ، وفيه كذلك ضياع للمال بغير حق ، وخسران للمرأة التي تطرق أبوابهم لشرفها وعفافها وطهارتها ، فيجب الحذر من الذهاب إليهم ، والاستعانة بهم على قضاء الحوائج ، وأن يجعل المسلم حاجته لله سبحانه وتعالى وحده ، ويتوكل ويعتمد عليه 0 وخطورة اللجوء للسحرة في أمور الحياة الخاصة والعامة من إلحاق ضرر ، أو جلب منفعة ، أو درء مفسدة ، دون اللجوء إلى مسبب الأسباب كفر بالله عز وجل ، كما أن اللجوء إليهم والاستعانة بهم مع اللجوء إلى الله تعالى شرك مؤدي للكفر 0
يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان – حفظه الله - : ( إن خير الجهاد وأفضله القيام على أعداء الدين والوقوف في نحورهم كالسحرة والكهان والمشعوذين ، فقد استطار شررهم وعظم أمرهم وكثر خطرُهم ، فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم غير مبالين ، وقد توعد الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر ، فقد أخبر الله في كتابه العزيز أن الساحر كافر فقال : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
وإلى كفر الساحر وخروجه من الدين ودخوله في سلك أصحاب الجحيم ذهب جماهير العلماء من فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وقد ذكر الشيخ الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – أنّ السحر أحد نواقض الإسلام وقال : ومنه الصرف والعطف ) ( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 هـ – ص 1 ) 0
ولا شك أن الإسلام حرم السحر والعرافة والكهانة ، والحكمة من ذلك هو الأمور الهامة التالية :
1)- حرص الإسلام على سلامة العقيدة : حرص الإسلام على سلامة العقيدة في قلب المسلم ليكون دائماً وأبداً متصلاً بالله معتمداً عليه مقراً له بالربوبية 0 مستعيناً به على الشدائد في هذه الحياة لا يتوجه لغيره في الدعاء ولا يقر لسواه بأي تأثير أو تحكم في قانون من قوانين الطبيعة التي خلقها الله تعالى وسيرها بعلمه وقدرته وإرادته ؛ فالنجوم والكواكب مسخرات بأمره كغيرها من خلق الله تسير وفق الخط المرسوم لها من الأزل ؛ لا تؤثر حركتها على الإنسان الذي خلقه الله على هذه الأرض ؛ وقدر له رزقه وعمره ، فلا ينتهي عمر إنسان ما بظهور كوكب أو إختفائه ؛ ولا يزيد رزق إمرئ ولا ينقص 0
فإذا زعم إنسان إنه يعلم الغيب باتصاله بالكواكب وتعظيمه لها واتصاله بالجن والشياطين وادعى بذلك أنه يستطيع أن يؤثر في قوانين هذه الحياة ويتحكم في مسيرتها الطبيعية بما يخرجها عما رسم لها يكون بذلك قد خالف شريعة الله وتجاوز حدوده التي وضعت له ؛ فلا جرم أن يحكم عليه بالكفر لتعظيمه غير الله واستعانته بغير الخالق ؛ وإثبات التأثير في خلق الله لغير البارئ 0
2)- السحر يصد عن العمل بالدين وأحكامه : قص علينا القصص القرآني للذكرى ؛ وليبين لنا ما افتراه أهل الأهواء على سليمان من أمر السحر ؛ وكيف صد السحر اليهود عن أن يهتدوا بالنبي الذي بشر به كتابهم وبين لهم صفاته وأمرهم بالإيمان به ؛ ولا شك أن تركهم لبعض كتابهم كتركهم له كله ؛ لأنه يذهب باحترام الوحي ويفتح الباب لترك الباقي 0
3)- تعلم السحر واستخدامه كفر : يعتبر القرآن الكريم السحر وتعلمه واستخدامه كفراً ؛ لأن الإنسان يتعلم ما يضره ولا ينفعه ، ويكفي أن يكون الضرر هو الكفر والعياذ بالله ؛ لأن العلم يجر غالباً إلى العمل ؛ والعمل بالسحر ضرر لا نفع فيه ؛ إذ لا نفع في السحر عموماً سواء من ناحية مجرد العلم به أو العمل ؛ كلاهما غير مقصود وغير نافع في الدارين لأن المؤثر في الحقيقة هو الله ؛ وفي هذا دليل على أن التحرز عن السحر واجب 0
4)- خسران الدنيا والآخرة : من يستبدل ما تُعلّمه له الشياطين بكتاب الله تعالى ؛ فقد خسر الدنيا والآخرة والذي يشتري السحر ويفضله على كتاب الله لا نصيب له في الآخرة لأنه حين يختار السحر ويشتريه يفقد كل رصيد له في الآخرة 0
فما أسوأ ما باع به نفسه ؛ لقد باع نفسه بثمن ضئيل لا نفع فيه واشترى ما لا نفع له في الآخرة ؛ ودفع نفسه مقابله ؛ فهو خاسر في كل حال ، فما باعه خسره وهو نفسه ؛ وما اشتراه خسره لأنه لا ينفع في الآخرة 0
5)- ما فيه من إلحاق الضرر بالناس وإيذائهم : إن الساحر قد يستطيع إيصال الضرر والبلاء والأذى بالناس وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه ولا يقتصر ضرره على المسحور بل يتعدى إلى من تعلمه 0
فلما ذكر الله تعالى إنه قد يحصل بالسحر الضرر ذكر أيضاً أن ضرره لا يقتصر على من يفعل ذلك به بل هو أيضاً يضر من تعلمه ؛ ولما كان إثبات الضرر بشيء لا ينفي النفع عنه لأنه قد يوجد الشيء فيحصل به الضرر ويحصل به النفع نفى عنه النفع بالكلية وأتى بلفظ " لا " لأنها ينفي بها الحال والمستقبل ؛ والضرر وعدم النفع مختص بالدنيا والآخرة لأن تعلمه وإن كان غير مباح فهو يجر إلى العمل به وإلى التنكيل به إذا عثر عليه وأن ما يأخذه عليه حرام هذا في الدنيا ؛ أما في الآخرة فلما يترتب عليه من العقاب 0
فيكفي المسلم رادعاً أن يعلم أن سيد المرسلين قال عن السحر إنه شر وأمر بدفنه حتى لا يتذكر الناس السحر أو يفتح باباً 0
السحر لغة :
عبارة عمى خفي ولطف سببه ، ومنه سمي السحر سحرا لأنه يقع خفيا آخر الليل ، كما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من البيان لسحرا) ( متفق عليه ) ، لما في البيان من قدرة من يتصف به على إخفاء الحقائق 0
قال ابن منظور
قال الأزهري : السحر عمل تُقُرِّب فيه إلى الشيطان ، وبمعونة منه ، كلّ ذلك الأمر كينونَة للسِّحر، ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى ، وليس الأصل على ما يرى ، والسحر الأخذة ، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر 000 وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره ، فكأن الساحر – لما أرى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته – قد سحر الشيء عن وجهه ، أي صرفه ) ( لسان العرب – 4 / 348 ).
وشرعا :
هو عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان ، فتمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه ، قال تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ( البقرة – 102 ) ، وقد أمر الله بالتعوذ من السحر وأهله ، فقال جل شأنه : ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ ) ( الفلق – الآية 4 ) ، وهن السواحر اللواتي ينفخن في عقد السحر ، والسحر له حقيقة ، ولذا أمرنا بالتعوذ منه ، وظهرت آثاره على المسحورين ، قال تعالى : ( وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) ( الأعراف – الآية 116 ) ، فوصفه بالعظم ، ولو لم تكن له حقيقة لم يوصف بهذا الوصف ، وهذا لا يمنع أن يكون من السحر ما هو خيال ، كما قال سبحانه عن سحرة فرعون : ( 000 يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ( طه – الآية 66 ) ، أي : يخيل لموسى أن الحبال تسعى كالحيات من قوة ما صنعوه من السحر 0 وعليه فالسحر قسمان سحر حقيقي وسحر خيالي ، وهذا لا يعني أن الساحر قادر على تغيير حقائق الأشياء ، فهو لا يقدر على جعل الإنسان قردا أو القرد بقرة مثلا 0
والساحر ليس هو ولا سحره مؤثرين بذاتهما ولكن يؤثر السحر إذا تعلق به إذن الله القدري الكوني ، وأما إذن الله الشرعي فلا يتعلق به البتة ، لأن السحر مما حرمه الله ولم يأذن به شرعا ، قال تعالى : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( البقرة – 102 ) 0
عرف الأحناف السحر فقالوا : ( السحر : هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية 0 أو : هو قول يعظم فيه غير الله تعالى وتنسب إليه التقديرات والتأثيرات ) ( حاشية رد المحتار للمحقق محمد أمين الشهير بابن عابدين – 1 / 44 – 45 ) 0
وقد عرفه المالكية كتعريف الحنفية الأخير مع تغيير يسير في بعض الألفاظ مع اتحاد المعنى في كل منهما ، وقال عنه بعض المالكية : ( منه ما يكون خارقاً للعوائد ومنه ما لا يكون كذلك ) ( حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – 4 / 302 ) 0
وقد عرفه الشافعية فقالوا : ( السحر : مزاولة النفوس الخبيثة لأقوال وأفعال ينشأ عنها أمور خارقة للعادة ) ( مغني المحتاج للعلامة الشربيني الخطيب – 4 / 120 ) 0
وقد عرفه الحنابلة فقالوا : ( السحر : عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ) ( المغني – 8 / 150 ) 0
قال ابن قدامة
هو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه ، ليعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ، وله حقيقة فمنه ما يقتل ، وما يمرض ، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ، وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحبب بين اثنين ) ( المغني – 10 / 104 ) 0
وبعد هذا العرض الشامل للعلماء والباحثين لمفهوم السحر فإني أقدم تعريفاً شاملاً للسحر الحقيقي فأقول : ( السحر الحقيقي : عبارة عن رقى وطلاسم وتعاويذ يعظم فيها غير الله وغالباً ما تكون كفرية ، يستفاد منها في حصول ملكة نفسية ، يقوم بها شخص بذاته يكتسبها بالتعلم وتتوفر فيه صفات خاصة معينة ، ويتم كل ذلك تحت ظروف غير مألوفة وبطرق خفية دقيقة ، وتصدر هذه الأفعال من نفوس شريرة تتقرب إلى الشيطان لتحصيل ما لا يقدر عليه الإنسان ، وتؤثر تأثيراً مباشراً في عالم العناصر ، فيحدث من خلالها تأثيراً في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر ، وفي الأبدان بالألم والسقم والموت ويحصل ذلك على فرد أو مجموعة أفراد رغم إرادتهم لتحقيق هدف معين ) 0
* أدلة السحر وتحريمه من كتاب الله عز وجل :-
- يقول تعالى في محكم كتابه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
قال ابن كثير في تفسيره
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال : فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي وقالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان ، فعرفا أن السحر من الكفر قال : فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه فإذا علمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعا في السماء فيقول : يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع 0 وقال السدي : إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له : لا تكفر إنما نحن فتنة فإذا أبى قالا له : ائت هذا الرماد فبل عليه 0 فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الإيمان وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء ، وذلك غضب الله فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر 0 وقال سعيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الآية لا يجترئ على السحر إلا كافر 0 وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر واستشهد له بحديث عبد الله : " من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " ( صحيح الجامع 5939 ) ( تفسير القرآن العظيم – باختصار – 1 / 136 ، 137 ) 0
وقال – رحمه الله - : ( قال قتادة : كان أخِذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر ) ( تفسير القرآن العظيم – باختصار – 1/136 ، 137 ) 0
* أدلة السحر وتحريمه من السنة المطهرة وآثار الصحابة :-
* السنة المطهرة :-
1)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اجتنبوا السبع الموبقات – أي المهلكات - الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات – أي العفائف - المؤمنات الغافلات – أي الغافلات عن الفواحش - ) ( متفق عليه ) 0
قال المناوي : ( والثانية - من السبع الموبقات - السحر قال الحراني : وهو قلب الحواس في مدركاتها عن الوجه المعتاد لها في ضمنها من سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله تعالى عليه 0 وفي حاشية الكشاف للسعد : هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة قال التاج السبكي : والسحر والكهانة والتنجيم والسيمياء من واد واحد ) ( فيض القدير – 1 / 153 ) 0
2)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ) ( صحيح الجامع - 5939 ) 0
قال المناوي
" من أتى عرافا أو كاهنا " وهو من يخبر عما يحدث أو عن شيء غائب أو عن طالع أحد بسعد أو نحس أو دولة أو محنة أو منحة ، فصدقه إن الغرض إن سأله معتقدا صدقه ، فلو فعله استهزاء معتقدا كذبه فلا يلحقه الوعيد ، ومصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة وإنه بإلهام فصدقه من هذه الجهة لا يكفر ، قال الراغب العرافة مختصة بالأمور الماضية والكهانة بالحادثة وكان ذلك في العرب كثيرا ) ( فيض القدير – 6 / 23 ) 0
3)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول ، أو أتى امرأة حائضا ، أو أتى امرأة في دبرها ، فقد بريء مما أنزل على محمد ) ( صحيح الجامع - 5942 ) 0
قال المباركفوري
أو كاهنا " قال الجزري في الكاهن : الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار 0 وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما 0 فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف ، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما 0 والحديث الذي فيه : من أتى كاهنا 0 قد يشتمل على إتيان الكاهن والعراف والمنجم 0 انتهى كلام الجزري 0 وقال الطيبي : أتى لفظ مشترك هنا بين المجامعة وإتيان الكاهن 0 قال القاري : الأولى أن يكون التقدير أو صدق كاهنا ، فيصير من قبيل علفتها ماء وتبنا باردا أو يقال من أتى حائضا أو امرأة بالجماع أو كاهنا بالتصديق انتهى " فقد كفر بما أنزل على محمد " الظاهر أنه محمول على التغليظ والتشديد كما قاله الترمذي 0 وقيل : إن كان المراد الإتيان باستحلال وتصديق فالكفر محمول على ظاهره ، وإن كان بدونهما فهو على كفران النعمة ) ( تحفة الأحوذي – 1 / 355 ) 0
4)- عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تطير ولا من تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو تسحر أو تسحر له ) ( السلسلة الصحيحة – 2195 ) 0
قال المناوي
" ليس منا " أي : ليس من أهل سنتنا أو طريقتنا الإسلامية ، لأن ذلك فعل الجاهلية ) ( فيض القدير – 5 / 384 ، 385 ) 0
5)- عن بعض أمهات المؤمنين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا فسأله عن شئ ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) ( صحيح الجامع 5940 ) 0
قال المناوي : ( " من أتى عرافا " وهو من يخبر بالأمور الماضية أو بما أخفي وزعم أنه هو الكاهن يرده جمعه بينهما في الخبر الآتي ، قال النووي : والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن المستقبلة ويزعم معرفة الأسرار ، والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك 0 ومن الكهنة من يزعم أن جنيا يلقي إليه الأخبار ، ومنهم من يدعي إدراك الغيب بفهم أعطيه وإمارات يستدل بها عليه ، وقال ابن حجر : الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الأمور المغيبة 0 وكانوا في الجاهلية كثيرا ؛ فمعظمهم كان يعتمد على من تابعه من الجن ، وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل على مواقعها من كلام من يسأله ، وهذا الأخير يسمى العراف " فسأله عن شيء " أي من المغيبات ونحوها " لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " خص العدد بالأربعين على عادة العرب في ذكر الأربعين والسبعين ونحوهما للتكثير ، أو لأنها المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وجوارحه وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير ، ذكره القرطبي ، وخص الليلة لأن من عاداتهم ابتداء الحساب بالليالي ، وخص الصلاة لكونها عماد الدين ) ( فيض القدير – 6 / 22 ، 23 ) 0
6)- عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ) ( السلسلة الضعيفة – 1464 ) 0
قلت : قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا مؤمن بسحر " والمعنى ليس الذي يؤمن أن للسحر حقيقة وتأثيرا ، إنما الذي يصدق ويؤمن بأن تأثير السحر خارج عن مشيئة الله - عز وجل - ومن اعتقد ذلك لا يدخل الجنة 0
7)- عن معاوية بن الحكم – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تأتوا الكهان ) ( صحيح الجامع – 7180 ) 0
قال المناوي
" لا تأتوا الكهان " الذين يدعون علم المغيبات قال الصحابي معاوية بن الحكم قلت يا رسول الله أمورا كنا نضعها في الجاهلية ؛ كنا نأتي الكهان 0قال : فلا تأتوا الكهان ، قلت كنا نتطير 0 قال : ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصرفنكم ) ( فيض القدير – 6 / 383 ) 0
- عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ) ( صحيح الجامع - 6074 ) 0
قال المناوي
" من اقتبس " أي تعلم من قبست من العلم واقتبست من الشيء إذا تعلمته والقبس شعبة من النار واقتباسها الأخذ منها " علما من النجوم " أي من علم تأثيرها لا تسييرها ، فلا يناقض ما سبق من خبر : ( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ) وقد مر التنبيه على طريق الجمع " اقتبس شعبة " أي قطعة " من السحر " المعلوم تحريمه ثم استأنف جملة أخرى بقوله : " زاد ما زاد " يعني كلما زاد من علم النجوم زاد من الإثم مثل إثم الساحر ، أو زاد اقتباس شعب السحر ما زاده اقتباس علم النجوم 0 ومن زعم أن المراد زاد النبي صلى الله عليه وسلم على ما رواه ابن عباس عنه في حق علم النجوم فقد تكلف ، ونكر علما للتقليل ومن ثم خص الاقتباس لأن فيه معنى العلة ومن النجوم صفة علما وفيه مبالغة 0 ذكره الطيبي 0 وذلك لأنه يحكم على الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، فعلم تأثير النجوم باطل محرم وكذا العمل بمقتضاه كالتقرب إليها بتقريب القرابين لها كفر ، كذا قاله ابن رجب ( تنبيه ) قال بعض العارفين : أصناف حكماء عقلاء السالكين إذا حاولوا جلب نفع أو دفع ضر لم يحاولوه بما يجانسه من الطبائع ؛ بل حاولوه بما هو فوق رتبته من عالم الأفلاك مثلا التي رتبتها غالبة رتب الطبائع ومستولية عليها فحاولوا ما يرومونه من أمر ظاهر لتلك بما هو أعلى منه : كالطلاسم واستنزال الروحانيات المنسوبة عندهم للكواكب 0 وهذا الاستيلاء الروحاني الفلكي الكوكبي على عالم الطبيعة هو المسمى علم السيمياء ، وهو ضرب من السحر لأنه أمر لم يتحققه الشرع ، ولا يتم ولا يتحقق مع ذكر الله عليه ؛ بل يبطل ويضمحل اضمحلال السراب عند غشيانه ، وإلى نحوه يشير هذا الخبر ) ( فيض القدير – 6 / 80 ) 0
9)- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال : ليس بشيء ، فقالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة ) ( متفق عليه ) 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح
والكهانة - بفتح الكاف ويجوز كسرها - ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب ، والأصل فيه استراق الجني السمع من كلام الملائكة ، فيلقيه في أذن الكاهن 0 والكاهن لفظ يطلق على العراف ، والذي يضرب بالحصى ، والمنجم 0 ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه 0 وقال في ( المحكم ) : الكاهن القاضي بالغيب 0 وقال في ( الجامع ) العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا 0 وقال الخطابي : الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية ، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور ، ومساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه 0 وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم 0 وهي على أصناف :-
* منها ما يتلقونه من الجن ، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه ، إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه ، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين ، وأرسلت عليهم الشهب ، فيقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ( إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) ( الصافات – الآية 10 ) ، وكانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما ، وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد 0
* وثانيها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره ، مما لا يطلع عليه الإنسان غالبا ، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد 0
* وثالثها ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس ، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه0
* رابعها ما يستند إلى التجربة والعادة ، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك ، ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر ، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم ، وكل ذلك مذموم شرعا ) ( فتح الباري – 10 / 216 ، 217 ) 0
10)- أخرج أحمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى أهلها بالشطر فلم تزل معهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، وحياة أبي بكر ، وحياة عمر ، حتى بعثني عمر لأقاسمهم فسحروني ، فتكوعت يدي فانتزعها عمر منهم ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 2 / 30 ) 0
* آثار الصحابة :-
1)- عن عمرة ( أن عائشة – رضي الله عنها – أصابها مرض وإن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزط – جنس م السند - يتطبب – أي يتعاطى الطب ولا يتقنه - 0 ، وأنه قال لهم أنهم ليذكرون امرأة مسحورة سحرتها جارية في حجرها صبي ، في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها ، فقال : أيتوني بها ، فأتي بها ، فقالت عائشة : سحرتيني ؟ قالت : نعم 0 قالت : لم ؟ قالت : أردت أن أعتق ، وكانت عائشة – رضي الله عنها – قد أعتقتها عن دبر – أي تليق العتق بالموت - منها ، فقالت إن لله علي أن لا تعتقين أبداً ، انظروا شر البيوت – أي من يسيء الصنيع إلى المماليك - ملكة فبيعوها منهم ثم اشتروا بثمنها رقبة فأعتقوها ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 6 / 40 ) 0
2)- عن ابن عمر أن حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما-
سحرتها جارية لها فأقرت بالسحر وأخرجته فقتلتها ، فبلغ ذلك عثمان – رضي الله عنه - ، فغضب ، فأتاه ابن عمر -رضي الله عنه- ، فقال : جاريتها سحرتها ، أقرت بالسحر وأخرجته ، قال : فكف عثمان - رضي الله عنه-، قال : وكأنه إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره ) ( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى – 6 / 136 ) 0
3)- عن عبدالرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( قدمت امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحرة لم تعمل به ، قالت عائشة لعروة : يا ابن أختي فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشفيها حتى أني لأرحمها وهي تقول : إني لأخاف أن أكون قد هلكت ، كان لي زوج فغاب عني فدخلت على عجوز فشكوت إليها فقالت : إن فعلت ما آمرك فلعله يأتيك ، فلما إن كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما ، وركبت الآخر ، فلم يكن مكثي حتى وقفنا ببابل ، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما ، فقالا ما جاء بك ، فقلت : أتعلم السحر ، فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي ، فأبيت وقلت : لا ، قالا فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت وفزعت فلم أفعل ، فرجعت إليهما فقالا لي : فعلت ، قلت : نعم 0 قالا : هل رأيت شيئاً فقلت لم أر شيئاً ، فقالا : لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فأبيت ، فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت فاقشعر جلدي وخفت ثم رجعت إليهما فقالا : ما رأيت ؟ فقلت لم أر شيئاً ، فقالا : كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك فأبيت ، فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت فبلت فيه ، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء فغاب عني حتى ما أراه ، فأتيتهما فقلت : قد فعلت ، فقالا : فما رأيت ؟ قلت رأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني فذهب في السماء فغاب عني حتى ما أرى شيئاً ، قالا : صدقت ذلك إيمانك خرج منك فاذهبي ، فقلت للمرأة والله ما أعلم شيئاً ، وما قالا لي شيئاً ، فقالت بلى إن تريدين شيئاً إلا كان ، خذي هذا القمح فابذري فبذرت ، فقلت : اطلعي فطلعت ، وقلت : احقلي فحقلت ، ثم قلت : افرخي فأفرخت ، ثم قلت ايبسي فيبست ، ثم قلت : اطحني فطحنت ، ثم قلت : اخبزي فخبزت ، فلما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين ، ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً ، فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرمئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها ، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا : لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك ) ( رواه الحاكم بلفظه ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي وصححه ، ورواه أيضاً البيهقي بنحوه – المستدرك على الصحيحين للحاكم وبذيله التلخيص للذهبي – 4 / 155 ، 156 ) 0
* أقسام السحر وأنواعه :
إن البحث والتقصي تحت هذا العنوان يفضي لطرح تساؤلات عدة ، ومن هذه التساؤلات :
هل يقوم السحر على وتيرة واحدة ، لإحداث آثاره المتعددة ؟!
وإذا كان للسحر أنواع ، فهل كل نوع منها يمثل كيانا مستقلا عن باقي الأنواع ؟! أم أن هناك ارتباطا بين هذه الأنواع ؟!
حقيقة إن أنواع السحر ترتبط وتتلاقى في عدة أمور ، لكن لوحظ أن من تكلم عن السحر وأنواعه قد ذكر أنواعا تصل إلى الثمانية ، وبعد القراءة المتكررة ، والتمحيص لهذه الأنواع ، وجد أن أنواع السحر التي تعتبر أنواعا حقيقية ترتبط بمفهوم السحر الاصطلاحي ، وبآثار السحر ونتائجه لا تتعدى الخمسة فقط ، وقد تقتصر إلى ثلاثة أنواع باعتبار أن بعض الأنواع تختص بعنصر التأثيرات أو المؤثرات ، وما عدا ذلك لا يعد من أنواع السحر ، ومثال تلك الأنواع التي تخرج عن المفهوم الاصطلاحي للسحر :-
أ )- السعي بالنميمة والوشاية بين الناس للإفساد من وجوه خفية لطيفة 0
قال الشرواني : ( قال يحيى بن أبي كثير : يفسد النمام والكذّاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة ) ( حواشي الشرواني – 9 / 181 ) 0
ويؤكد ذلك المفهوم ما ذكره الجصاص في كتابه "تفسير آيات الأحكام" حيث قال
وقد حكي أن امرأة أرادت إفساد ما بين زوجين ، فجاءت إلى الزوجة فقالت لها : إن زوجك معرض عنك ، وهو يريد أن يتزوج عليك ، وسأسحره لك حتى لا يرغب عنك ولا يريد سواك ، ولكن لا بد أن تأخذي من شعر حلقه بالموس ثلاث شعرات إذا نام وتعطينيها حتى يتم سحره ، فاغترت المرأة بقولها وصدقتها ، ثم ذهبت إلى الرجل وقالت له : إن امرأتك قد أحبت رجلا وقد عزمت على أن تذبحك بالموس عند النوم لتتخلص منك ، وقد أشفقت عليك ولزمني نصحك ، فتيقظ لها هذه الليلة ، وتظاهر بالنوم ، فلما جاءت زوجته بالموس لتحلق بعض شعرات حلقه ، فتح عينيه فرآها وبيدها الموس فقتلها ، فلما بلغ الخبر إلى أهلها جاءوا فقتلوه ) ( تفسير آيات الأحكام – 1 / 48 ) 0
ب)- الاحتيال في إطعام البعض ، بعض الأدوية المؤثرة في العقل 0
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : ( السحر ينقسم إلى قسمين : الأول : عقد ورقى - ، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى الإشراك بالشياطين فيما يريد لضرر المسحور ، قال الله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
الثاني : أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور ، وعقله ، وإرادته ، وميله وهو ما يسمى عندهم بالعطف والصرف ، فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء ، والصرف بالعكس من ذلك ، فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك ، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه ) ( نقلاً مرجع المعالجين من القرآن الكريم والحديث الشريف - ص 327 - 328 ) 0
* أقسام السحر عند علماء الاجتماع :-
أ)- السحر الأبيض : وهو الذي يخدم أهدافا علمية واجتماعية ، مثل سحر الحب والتداوي ، والتنبؤ بالمستقبل 0
ب)- السحر الأسود : وهو الذي بقصد إلحاق الضرر بالآخرين 0
قلت : وهذا التقسيم للسحر بناء على فهم علماء الاجتماع بشقيه الأبيض والأسود لا يختلف في مضمونه ومحتواه عن الأنواع السابقة ، ولا يجوز مطلقا اقترافه أو فعله ، وفاعله يكفر وهو مخرج من الملة 0
ثانيا : أنواع السحر كما ذكرها أبو عبدالله الرازي :-
* قال ابن كثير - رحمه الله - : ( قد ذكر أبو عبدالله الرازي أن أنواع السحر ثمانية :
1)- سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة ، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر 0
2)- سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية 0
3)- سحر الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن 0
4)- سحر التخييلات والأخذ بالعيون والشعبذة 0
5)- الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية 0
6)- الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات 0
7)- التعليق للقلب : وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور 0
- السعي بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس ) ( تفسير القرآن العظيم – باختصار – 1 / 138 ، 140 ) 0
* أقسام السحر : وقبل أن أتعرض لأنواع السحر بالتفصيل لا بد من إيضاح بعض المسائل والاستدراكات الهامة وهي على النحو التالي :
1)- لا بد من اليقين الجازم بأن تأثير السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني ، وفي ذلك يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( 000 وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ 000 ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
2)- ليس القصد مطلقا من عرض جزئيات هذا الموضوع ، خاصة البحث في الأعراض المتعلقة بكل نوع من أنواع السحر المقارنة والقياس ، بحيث يبدأ الشخص بمقارنة تلك الأعراض مع حالته ومعاناته ، ويقع في الوهم والوسوسة والضياع ، ولا بد للمريض من عرض حالته أولا على الطبيب المسلم ومن ثم رقية نفسه بالرقية الشرعية الثابتة ، وإن استدعى الأمر فلا بأس بالذهاب عند من يوثق في علمه ودينه للرقية والعلاج والاستشفاء ، بحيث يكون هذا الشخص متمرسا حاذقا ، لكي يستطيع بإذن الله تعالى أن يحدد الأسباب الرئيسة للمعاناة والمرض 0
3)- غالبا ما تكون الأعراض مشتركة ما بين السحر والأنواع الأخرى من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والعين والحسد ونحوه ، ومن هنا كان لا بد من التريث في عملية التشخيص من قبل المعالج ، بحيث يتم دراسة الحالة دراسة موضوعية دقيقية مستفيضة ليستطيع أن يحدد الداء ليصف الدواء النافع بإذن الله تعالى 0
4)- لا بد للمعالج من التأكد من سلامة الناحية الطبية المتعلقة بالمريض ، فبعض الأمراض العضوية أو النفسية لها أعراض مشابهة تماما للأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والحسد والعين ونحوه ، وكثيرا ما يستغل السحرة معرفة الأسباب الرئيسة لتلك الأمراض وتأثيرها ومن ثم إيجاد مثل تلك الأسباب بحيث يعتقد المرضى بأن المعاناة ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية ، وعلى سبيل المثال فقد يحدث الساحر تأثيرا يؤدي لقتل الحيوانات المنوية عند الرجل ويعتقد آنذاك أن الحالة المرضية تعاني من العقم وعدم الإنجاب ، وقس على ذلك كثير من الأمور التي يعمد إليها السحرة لإيهام الناس بتلك الأمراض ، واهتمام المعالج بسلامة الناحية الطبية لا يعني مطلقا عدم الاستشفاء بالرقية الشرعية من الأمراض العضوية أو النفسية ، بل المقصود عدم تخبط المعالج في عملية التشخيص وإيهام بعض المرضى بالمعاناة من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والعين ونحوه ، علما بأن المعاناة الأصلية ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية 0
5)- يجب دراسة الأعراض دراسة دقيقة للوقوف على أسبابها الرئيسة ، فقد تكون كافة تلك الأعراض ناتجة عن خلافات أو منازعات أو ظروف اجتماعية أدت لمثل تلك الأوضاع ، ومن هنا كان لا بد من التأني دون إطلاق الأحكام جزافا وإعادة مثل تلك الأمور التي قد تحصل للإصابة بالصرع والسحر والعين ونحوه 0
6)- إن للسحر أعراض اجتماعية وأخرى عضوية متعلقة بطبيعة الجسم البشري ، وسوف أقتصر البحث هنا على الأعراض الاجتماعية وبعض الأعراض العضوية البسيطة بسبب أن تلك الأعراض متشابهة تقريبا في كافة الأنواع مع اختلافات نوعية بسيطة ، وسوف يتم ذكرها بالتفصيل في هذه السلسلة عند الحديث عن " المنهج الشرعي في علاج السحر " 0
7)- كافة الأنواع التي سوف يعرج عليها تحت أنواع السحر التأثيري قد تكون ناتجة عن السحر بشقيه التخيلي أو سحر الأرواح الخبيثة ، ويعود الأمر في ذلك للأسلوب الذي يتبعه الساحر فيما يقوم به من أفعاله السحرية الخبيثة 0
- لا بد من الإشارة لنقطة هامة جدا تحت هذا العنوان ، وهي أن كافة المسميات المتعلقة بأنواع السحر التأثيري عبارة عن اجتهادات بناها المعالجون بناء على الأحوال والأوضاع التي عايشوها ودرسوها نتيجة الخبرة والممارسة ، وقد أشارت بعض النصوص القرآنية والحديثية لمثل تلك الآثار بشكل عام ، وبالتالي فإن كافة تلك المسميات لا تعتبر أمور مسلمة بها ، بل تخضع للتجربة والقياس 0
رابعا : أقسام السحر من حيث الأسلوب :-
1)- السحر التخييلي : وقد أثبتت النصوص القرآنية والحديثية هذا النوع من أنواع السحر ، يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِىَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ( طه – الآية 6 ، 66 ) وقد ثبت من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله ) ( متفق عليه ) 0
قال ابن القيم
وفي الموطأ عن كعب قال : كلمات أحفظهن من التوراة ، لولاها لجعلتني يهود حمارا : أعوذ بوجه الله العظيم ، الذي لا شيء أعظم منه ، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وبأسماء الله الحسنى ، ما علمت منها وما لم أعلم 0 من شر ما خلق ، وذرأ وبرأ ) ( بدائع التفسير - 5 / 412 ) 0
قلت : وليس المقصود من قول الإمام مالك - رحمه الله - تعالى أن لسحر اليهود قدرة على تغيير الأمور وقلب حقيقتها التي خلقت عليها ، ولكن قد يكون القصد من الكلام آنف الذكر إما التهويل وقدرة سحرة اليهود وبراعتهم في هذا الأمر ، وإما أن يكون القصد قدرة سحرة اليهود على قلب الحقيقة في نظر الرائي دون المرئي وهو ما يسمى بسحر التخييل والله تعالى أعلم 0
يقول ابن خلدون : ( سحر التخيل هو أن يعمد الساحر إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ، ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه ، فينظر الراؤن كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك ) ( مقدمة ابن خلدون – 498 ) 0
قصة واقعية : يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين –حفظه الله-
حكى لنا بعض العامة أن ساحراً أتى إلى صاحب غنم ومعه شاه يقودها بأذنها ، وطلب من صاحب الغنم أن يعطيه بدلها كبشاً ليذبحه لرفقته ، ففعل ذلك صاحب الغنم ، فبعد أن ذهب بالكبش تبين أن تلك الشاة التي جاء يقودها كانت حشرة من دواب الأرض قد لبس بها على عين الراعي الذي ذهب في أثره حتى أدركه مع رفقته وقد ذبحوا الكبش ، فسألهم عن صاحب الكبش الذي لبس عليه ، فدلوه على الساحر فجعل يوبخه ، ثم مد يده إليه ليبطش به ، وقبض على رأسه فانقلع رأسه في يده وتعلق بحنجرته ، فذهل الراعي وهرب معتقداً أنهم من الشياطين ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – ص 113 ، 114 ) 0
2)- سحر المؤثرات : وهذا النوع يتم بعدة طرق منها ما هو مبني على الكواكب والنجوم ، ومنها ما هو مبني على تصفية النفس وتعليق الوهم ، ومنها ما يسمى ( بالنيرنجات ) وهو سحر يعتمد على الأعضاء البشرية والحيوانية بمقادير معينة تمزج بطريقة مخصوصة على أن لكل عضو أثر مخصوص ، وقسم آخر يعتمد على الاستعانة بخواص الأدوية يعني في الأطعمة والدهانات ، وغيره مما يعتمد على الأعداد والحروف (الأوفاق) ، وكافة الأنواع المذكورة آنفا تؤثر بالمرض أو القتل أو الجنون أو منع الزواج أو ربط الرجل عن زوجه أو العقم أو الإيحاء ، وكل ذلك يكون بتأثيرات وطرق خبيثة لا ينفذ تأثيرها إلا بإذن الله القدري الكوني 0
3)- سحر تسليط الأرواح الخبيثة : وهذا النوع يتم بواسطته تسليط الجن والشياطين على المسحور لغرض معين يحدد من قبل الساحر بناء على توصية من قام بعمل السحر للمسحور ، ويتم ذلك بطرق شتى يستخدم فيها الساحر العزائم والطلاسم الكفرية أو الشركية لاستحضار الأرواح واسترضائها بذلك لكي تسلط على من وكلت به 0
وكافة أنواع السحر ما عدا النوع المبني على التخييل والخداع مبنية على الرقى والعزائم ، ولذا تعتبر الرقى والعزائم ، قاعدة مطردة في كل نوع ، ومن أراد الاستزادة بخصوص هذا الموضوع فعليه الرجوع لكتاب " موقف الإسلام من السحر " - دراسة نقدية على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة - للباحثة حياة سعيد با أخضر 0
* أقسام السحر من حيث التأثير :-
إن المتأمل في النصوص القرآنية والحديثية يعتقد جازما متيقنا أن للسحر حقيقة وتأثيرا ، ولذلك أمر الحق جل وعلا في محكم كتابه بالاستعاذة من ( شر النفاثات في العقد ) سواء كن النساء أو النفوس أو الجماعات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها - وهذا أمر اتفق عليه المفسرون حتى نفاة حقيقة السحر وأثره - وهذا دليل صريح في الدلالة على أن للسحر حقيقة وأثرا ، وإلا فما معنى الاستعاذة بالله - تعالى - من شر النفاثات ، ولو لم يكن لسحرهن أثر ضار ، ثم إن النفث الذي هو فعل الساحر نفخ مع ريق قد مازج خبث نفسه المتكيفة بالشر والأذى فيعقد ذلك على اسم المسحور ويكرر ذلك الفعل والعقد ، وللأرواح الشيطانية عون في ذلك 0
ومما لا شك فيه أن للسحر حقيقة وأثرا وتأثيرا يؤدي للتخيل والمرض والتفريق ونحو ذلك من أمور أخرى ، وبعد اتضاح الرؤيا بخصوص الأثر والفعل الذي قد يحدثه السحر مع التيقن بأن أثر السحر لا ينفذ إلا بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي ، ومن هنا فسوف أتعرض لأنواع السحر من حيث التأثير ، وهي على النحو التالي :-
1)- سحر الصرف ( سحر التفريق ) :
- الدليل من كتاب الله عز وجل : قال تعالى في محكم كتابه : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( البقرة – الآية 102 ) 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح
قال المازري : وقيل لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله ( يفرقون به بين المرء وزوجه ) لكون المقام مقام تهويل ، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره 0 وقال : والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك ، قال : والآية ليست نصا في منع الزيادة ، ولو قلنا ظاهره في ذلك ) ( فتح الباري - 10 / 223 ) 0
- وقد يستأنس من السنة المطهرة بحديث عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه - فيما يتعلق بهذا النوع من أنواع السحر على النحو التالي : -
عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئا ، ويجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت ) ( صحيح الجامع – 1526 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( ومن هنا قال طائفة من العلماء : إن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق ؛ فإن الله يبغض الطلاق ، وإنما يأمر به الشياطين والسحرة ؛ كما قال تعالى في السحر : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ( البقرة – الآية 102 ) ، ثم ساق حديث جابر بن عبدالله آنف الذكر ) ( مجموع الفتاوى – 32 / 88 ، 89 ) 0
وقال – رحمه الله - : ( السعي في التفريق بين الزوجين من أعظم المحرمات ، بل هو فعل هاروت وماروت ، وفعل الشيطان الحظي عند إبليس ، كما جاء به الحديث الصحيح ) ( بيان الدليل على بطلان التحليل – 609 – 610 ) 0
قلت : إن النصوص القرآنية والحديثية آنفة الذكر تدل على أن غاية الشيطان ومقصده التفريق بين الزوج وزوجه ، بسبب أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم ، وبهذا الفعل الدنيء يتحقق مراد الشيطان في تدمير المجتمعات الإسلامية وتقويضها ، ومن هنا كانت الغاية الأساسية للشيطان وأتباعه التفريق بين الزوجين ، وهو أقدر على التفريق بين المتحابين إذا توفرت له الأرضية التي يستطيع من خلالها الوصول لأهدافه وغاياته وقد اتضح هذا المفهوم من خلال أقوال أهل العلم كما مر معنا سابقا ، ومع أن الحديث الذي رواه جابر - رضي الله عنه - لا ينص أصلا على الأسلوب الذي يتبعه الشيطان في وصوله لهذه الغاية ألا وهي التفريق بين الزوج وزوجه ، إلا أن السحر من الأساليب التي يستأنس لها الشيطان لتحقيق تلك الأهداف ، لما فيها من كفر صريح بالله عز وجل وهدم للأسر وتقويض للمجتمعات وقد أكد هذا المفهوم العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وكذلك العلامة فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – ح